دانا نعمي مولس تكتب عن الوعود الكبيرة لحزب الليبور برئاسة كوربين وخيبة الأمل في انتخابات 2019,عن التحديات الكبيرة التي تواجه اليسار البريطاني آلان, وعن سبب وجود الأمل حتى الآن - في بريطانيا, وفي إسرائيل كذلك.

قبل سنة, طرقتُ مع ملايين الأشخاص في بريطانيا أبوابًا كثيرة في البرد القارس وتحت زخات المطر في نهايات الأسبوع، في محاولةٍ لمساعدة جيرمي كوربين بصنع التاريخ وانتخابه لرئاسة بريطانيا عن حزب الليبور البريطاني. كمواطنة بريطانية وإسرائيلية, ولكوني ترعرت داخل اليسار الإسرائيلي, شعرتُ باللهفة والحنين لمشهد طلاب الثانوية الذين كانوا يجتمعون في  نهاية كل أسبوع من أجل دعم واحدة من أقوى الحملات التاريخية التي عرفها اليسار البريطاني. كوربين, العضو في مجلس الشعب لما يقارب 40 عامًا والذي كان رمز اليسار لحزب الليبور, نجح بإحداث صحوة اشتراكية جدية في الدولة. "مومنتوم", حركة برئاسة جون لنسمن, التابعة لليبور والتي أقيمت على أثر الصدى الواسع الذي أحدثته حملة كوربين قبل انتخابات 2017, نجحت في جذب شباب لم يكونوا يومًا منخرطين بالعمل السياسي حيث أصبحوا ناشطين سياسيًا. مع خطوة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتأسيس النيو-ليبرالية في انجلترا, فجأة ظهرت روح جديدة تبث الأمل في الأجواء.

حزب الليبور, في كيانه, هو حاضنة للكثير من الآراء المختلفة, المتناقضة في أحيان كثيرة, والتي تتصارع على مراكز القوة في إدارة الحزب. تضم أيديولوجية الحزب الشيوعية إلى جانب النيوليبرالية. نادرًا ما يكون هناك إجماع على مبادئ إدارة الحزب، إذا كان من الأصل, ودائمًا هنالك قسم غير راضٍ عن توجه إدارة الحزب. بالإضافة إلى ذلك, مهم أن نقول أنه تحت كوربين كان هنالك الكثير من الأقسام التي لم تكن يومًا قريبة من الحكم وفجأة أصبحت تمتلك قدرة كبيرة على التأثير الفكري والسياسي في الحزب. المتحدثون باسم طوني بلير, الذين كانوا على مدار سنوات طويلة الصوت المؤثر في حزب الليبور, توقف تأثيرهم. بشكل مفاجئ، صارت تُسمَع أصوات أخرى في الحزب, إضافةً للأصوات التي تم قمعها لسنوات كثيرة على يد حكم المركز- يمين داخل الحزب.

بالنسبة لكثر من الذين ضحّوا بأوقاتهم في أصعب الحالات من أجل الحملة, الرؤية التي عرضها كوربين لم تكن تمثله وحده. أحضر كوربين معه لرئاسة الليبور طاقم مستشارين وشخصيات يسارية مخضرمة في بريطانيا. ديان ابوت, التي كانت تتحضر لوظيفة وزيرة الداخلية, هي المرأة السوداء الأولى التي انتُخبَت لمجلس النواب البريطاني (في 1987), من المناضلات ضد العنصرية, تدعم الحدود المفتوحة وتدعم علاقات انسانية أكثر لطالبي اللجوء واللاجئين, والتي كانت قضية ساخنة في بريطانيا 2020. المستشارة القضائية للحكومة من قبل الليبور, شامي شكربتي,عملت لسنوات طويلة كرئيسة الجمعية لحقوق المواطن البريطاني, "ليبرتي", وهي تعتَبَر رمزًا لنضالات متواصلة من أجل حقوق الإنسان والمواطن في الدولة. جون مكوندل, المرشح لوزير المالية من قبل الحزب, أيضًا هو كان رمزًا لسياسة اشتراكية ديمقراطية في الدولة التي تتجه أكثر يمينًا. الوعد بمجلس مستشارين يلتزم بحقوق الإنسان وسيادة القانون, يحارب مؤسسة محافظة بغالبيتها, ويملك الحصانة أمام صحافة يمينية بغالبيتها (وغالبيتها تمول على يد المليونير روفرت مردوك) - ظهر كمهمة مستحيلة في تلك الفترة. بالإضافة، يشار إلى أنه في تلك الفترة شكّل ارتفاع اليسار في حزب الليبور مستقبلًا واعدًا على عكس كل التوقعات.

مع سقوط أحد وعود كوربين في احدى أكثر الاخفاقات المؤلمة والساحقة التي عرفها الحزب في انتخابات 2019, أشخاص مهمون أيضًا طردوا من مواقع النفوذ. بالاضافة الى ذلك, بعد عام, اختفت هذه الروح وذكراها التي كانت تبعث على فرص أخرى وفرص ذهبت أدراج الرياح. اختيار كير ستارمر, قائد مركز-يمين لرئاسة الحزب, الذي قام بدون تأخير باقالة قيادي اليسار من وظائف مهمة, رمزت الى بداية النهاية لاستيقاظ اليسار البريطاني,في الموجة الأولى من الكورونا عانت بريطانيا من نسبة الموت الأعلى في العالم. الانتقادات التي وجهت للحكومة من قبل حزب الليبور برئاسة ستارمر كانت قليلة ولم يكن هناك أي رفض في الشوارع, وأيضًا موجة الاحتجاجات التابعة لBlack Lives Matter كانت قصيرة جدًا نسبيًا وارتكزت على التضامن مع الولايات المتحدة, وليس بانتقاد سياسة بريطانيا وأفضلية العرق الأبيض في الدولة. البرلمان المحافظ قام بتمرير قوانين التي تسيء لحقوق الانسان بصورة واضحة جدًا, من بينها قانون الذي يمنح حصانة لأفراد الشرطة المستترين الذين يقومون بارتكاب الجرائم (منها الاغتصاب, الاعتداء والقتل) أثناء قيامهم بعملهم.بالاضافة الى قانون الذي يسمح باحتجاز أشخاص " يظهرون كمرضى كورونا". هذان القانونان مررا مع امتناع الليبور برئاسة ستارمر( مع اعتراض  اعضاء مجلس شعب قليلين من الليبور- غالبيتهم الأكثرية التابعة للمجلس المرفوض لكوربين). الليبور برئاسة ستارمر لم تكن فقط تبتعد أكثر فأكثر عن الاشتراكية, انما كانت توحي أيضًا بخضوعها  لقمع حقوق الإنسان وحكم القانون.

مثل بقية العالم, تتعامل بريطانيا مع تحدي الكورونا.على عكس الكثير من الدول الأوروبية, ركيزتها الاشتراكية- ديمقراطية ضعفت بشكل كبير بسبب سنين من الخصخصة( على يد الحكومة المحافظة وأيضًا على يد حكومة النيو-ليبور برئاسة طوني بلير). خدمات الصحة الرسمية, الفخر الوطني الكبير الذي يوحد اليسار مع اليمين في الدولة, يواجه تحديات جدية بسبب قلة الاستثمار في الأسس. حتى قبل الكورونا بريطانيا كانت " الرجل المريض" في أوروبا. وصل الوضع الان الى ازمة كبيرة. مع تهديد البركزيت الذي من المتوقع أن يؤدي الى نقص في الأدوية والطاقات البشرية, المستقبل غير واضح.

ولكن, أمام فترة صعبة وأحيانًا فترات يأس, يجب أن نتذكر التاريخ الحافل لليسار البريطاني. بريطانيا كانت الدولة التي أعطت اللجوء السياسي للاجئي اليهود- ألمان باسم كارل ماركس, ابنته, الينور, كانت من مؤسسات اتحاد العمال في سنوات ال90 في القرن ال19 الذي أدى الى تأسيس حزب الليبور. اليسار البريطاني كان من الأسس المهمة في تشكيل الاشتراكية- الديمقراطية الأوروبية مثلما نعرفها نحن اليوم. خدمات الصحة الوطنية كانت مثال الذي قامت بتطبيقه دول كثيرة حول العالم. الإضرابات من قبل طبقة العمال الانجليزية من نتائجها أيضًا أساس لسن يوم عمل ل8 ساعات فقط, لنسوية اشتراكية, لحقوق الإنسان والمواطن في كل العالم. من الصعب النظر الى تاريخ اليسار البريطاني, وبالأخص حزب الليبور, وأن نعتقد أن هذه الخسارة هي نهاية حتمية للاشتراكية-ديمقراطية للانجليزي. يجب أن نفكر ونأمل أن هؤلاء الأشخاص الشباب, للمرة الأولى في حياتهم أحسوا بالأمل ووجود مكان للتحسين في دولتهم, يعودون لإعلاء أصواتهم ضد ظلم الحكومة في أحدى أصعب الأزمات التي عرفتها الدولة.

في الفترة التي ننظر كلنا فيها إلى خارج حدود دولتنا ونفحص كيف أن هنالك دول أخرى تتعامل مع تحدي الكورونا, من السهل رؤية أزمات منهجية أضعفت دولة الرفاه وأدت لصعود اليمين العنصري والى تعزيز قوة الأغنياء على حساب الفقراء. في بريطانيا, مثلما هو الحال في دولة إسرائيل, اللامساواة وتأجيج الكراهية والعنف على حساب حقوق الإنسان كان لها صدًى كبيرًا في الحلبة السياسية, ولكن كل من عاش فترة كوربين في بريطانيا, وأيضًا المظاهرات الضخمة في إسرائيل والعمل المتواصل لنقف معًا, يستطيع رؤية شعب يبحث عن بديل: عالم تسوده قيم العدالة, المساواة وحقوق الإنسان.

في خطاب مشهور لكوربين قام باقتباس للشاعر الكبير برسي بيش شيلي وقد أصبح هذا الاقتباس شعار للحزب. نفس الخطاب قُرئ على يد ألينور ماركس, ابنة كارل, عندما عملت لاتحاد العمال في انجلترا عام 1890 .

We are many; they are few

أنتم كثر، هم قلة.

كل شخص منا خرج وطرق الأبواب في عام 2019 يتذكر تجربة فريدة. ليس لدينا سوى أن نأمل أن الروح التي قادت تلك الحملة لن تختفي, ونفس الجمهور, الأغلبية, الذين يعانون من السياسة التي تخدم فقط رؤوس الأموال, سيرفعون أصواتهم.

قراءة إضافية : سيرة ذاتية لإلينور ماركس التي ترسم تاريخ اليسار وتاريخ عائلة ماركس.

Rachel Holmes, Eleanor Marx: A Life, Bloomsbury, 2014.